Saturday, September 6, 2014

التقديم في منزل بورقيبة

السلام عليكم،

"عصفور من الشرق."
منذ ستة عشر عاما تقريبا، دخلت إلى قاعة المكتبة العمومية بمنزل بورقيبة لأول مرة. هذا ليس حدثا فريدا طبعا، لكن كنت أحسّ و أنا أخطو خطواتي الأولى بين الرفوف المزدحمة أن كل وسائل الإعلام تتبعني في جولتي، تلتقط صوري مع توفيق الحكيم، و نجيب محفوظ، و علي الدوعاجي، و جان راسين و موليير. كانت تلك البطاقة الصغيرة التي حرمتُ منها سابقا لأنني لا أزال تلميذا في المدرسة، تجعلني أشعر أنني أهمّ شخص في العالم، و أنني قاب كتابين أو أدنى من الحقيقة التي ضحى بروميثيوس من أجلها. بعد هذه السنين، أعود لأضيف كتيبا صغيرا إلى الحقيقة.

"لن تحدث حرب طروادة"
 قرأتُ كثيرا من هذه المكتبة، نهلت الكثير من صفحاتها، اشتكوت من نقائصها و هي كثيرة. طلبتُ المزيد من الكتب، انتظرت الجديد منها، رغبت أن أتصفح عناوينها رقميا، بعض النسخ مهترئ إلى حدّ التلف، و بعضها اختفت صفحاته بفعل فاعل، لكن الدخول إلى هذه القاعة فقط، كان مثل دخول المرء اليوم إلى شبكة الإنترنت، إذا ما حذفنا من الانترنت مواقع الدردشة و التنصّت الاجتماعيّ و جعلنا غوغل أكثر بدائية بكثير. كانت الدخول إلى هذه القاعة مثل الدخول إلى العالم، بل ربما كان الخروج منها خروجا من العالم..

"ثرثرة فوق النيل"
عدتُ و بيدي كتيب صغير من مائة صفحة و نصف المائة من الصفحات، أخرجتُه منذ سنة تقريبا عن دار ورشة19 للنشر، و هي دار نشر حديثة النشأة يحاول صاحبها أن يخطّ طريقا موحشا و صعبا بل مضنيا، من دون كتب مدرسية موازية، و من دون ملصقات و لا منشورات من قبيل "كيف تصبح نجما في أربعة أيام". بدأتُ في كتابة هذه المجموعة القصصية سنة 2007 و انتهيت منها في بداية السنة الماضية بكتابة الأقصوصة العاشرة "المصلحة". و مثلها مثل أخواتها التسع، حملت الأقصوصة ما حملت من هذه المدينة و من وجوه أناسها، و من وجوه مبانيها و نظامها و أحداثها، بعضها حمّلته قصدا و بعضها اتخذ له مجلسا بين السطور عنوة و أحيانا دون أن أعي. لكنني مع ذلك لا أشعر أنني كتبت ما يكفي عنها، و لعلّني فاعل ذلك غدا، فهذا المكان الذي قدّم لي ذلك الكم من القراءات و العوالم، له من العناصر و الثراء ما يكفي لأن يصبح كتابا يقرأه الآخرون في مكتبات أخرى.

"حليمة"
أعود بهذا الكتيب و أنا أعرف قيمة ان يتخذ له مكانا بين رفوف المكتبة. على هذه الأرض الطيبة، حيث يكسل الناشر عن نشر كتبه، و الموزع عن توزيعها، و حيث يفضّل الكتبيّ أن يهتمّ بأدوات التلميذ و بالكتب الموازية، و حيث لا تجد سبيلا يذهب بكتابك إلى أطرافها (أطراف هذه الأرض)، و حيث يبخل جيب المواطن بثمانية دنانير على الأدب و على الكتابة، فربما كانت المكتبات العمومية أهم وسيلة يجد فيها الكتاب له قرّاء.
هل يعرف القائمون بالشأن الثقافيّ قيمة المكتبات العمومية؟ و هل هم على وعي بطبيعة العلاقة التي تربط هذه المكتبات بالمواطنين؟ هل توجد دراسات جادة تبحث سبل دعم المطالعة العمومية، لا للأطفال، و إنما للشباب و للكهول الذين نعتبرهم للأسف "فات فيهم الفوت" ؟ لا أملك اجابات دقيقة، و لكنني أملك شيئا من الأمل، و من الرغبة في المقاومة رغم كل هذه العوائق. مثلما يقول توفيق الحكيم "أملي أكبر من جهدي، و جهدي أكبر من موهبتي، و موهبتي سجينة طبعي، و لكني أقاوم.."

"عودة الروح"
هو اسم كتاب مثله مثل غيره مما ذكرت، جادت به عليّ هذه المكتبة العمومية، و لا أزال أذكره و أذكر لحظات الانفعال الجميلة التي أهدتها إياي تلكم القراءات. اِسمحوا لي أن أشكر ختاما أناسا ما كنتُ لأجلس مجلسي هذا لولاهم، شكرا صفاء، و غادة و كامل مجموعة Key-Tab التي عملتُ معها على هذا اللقاء منذ بداية السنة، كما أشكر غيث و نادي المسرح للقراءة التي قدموها، أما سي فتحي الدريدي مدير دار الثقافة بيرم التونسي، فأنا أستحثه على مواصلة مشروعه الجدّيّ الذي يريده لهذه المدينة، مشروع عناصره ثورية تقوم على الشباب، و الأفكار الجديدة، و الاستقلالية و الجودة. يبقى جهد التطبيق و الصبر الطويل، لكنني مؤمن و متفائل.

اقرأوا يرحمنا و يرحمكم الله، اقرأوا يرحمنا و يرحمكم الله. 
فاروق الفرشيشي
منزل بورقيبة في 
6 أيلول 2014

1 comment:

Anonymous said...

لك فاروق...
http://i.imgur.com/Ch0dELh.png
[img]http://i.imgur.com/Ch0dELh.png[/img]

Translate